الخميس، 22 مارس 2012

الحنّا ... وما أدراك ما الحنّا !!


بقلم: عبدالعزيز بن حارب المهيري

         اشتاق لأن يرى الحنا في يدي زوجته، ولأنها زوجة صالحة تريد أن تكسب رضا الزوج رحبت بالفكرة، انتظرها خارج الصالون وعندما انتهت قفز من السيارة مسرعا ليفتح لها باب السيارة، فهي لا تستطيع فتح الباب لأنّ في كلتي يديها حنا، ولأنه زوج شاطر ومحترف يعرف واجباته كزوج لم ينسَ أن يلتقط عباتها ويدخلها السيارة قبل أن يغلق الباب (سببان يدفعان أي رجل لفتح باب السيارة لزوجته، أن تكون الزوجة جديدة أو أن السيارة جديدة) قال لها: أشوف الحنا.. يا سلام شو ها الحنا الغاوي؟ حبيبي ما عليك أمر إذا بتعدّل شيلتي؟ حاضر من عيوني (يا عيني على الروح الرياضية بنشوف آخر المقال شو بيستوي بك!!)

        أن تتحنى المرأة فهذا يعني أن تكون على أهبة الاستعداد في جميع المواضع والحالات التي تستخدم فيها يديها، بدءا من حمل شنطة يدها، ثم فتح باب الصالة لها، وتعليق الشيلة والعباة نيابة عنها، وإحضار كأس الماء ومساعدتها على الشرب، وتمسح جبهتها (الهانم تعبانة من حرّ الصالون) وليس انتهاء بإزالة شعرات قصتها عن عينيها، كل هذا مع الحذر الكامل من أن تلمس يديها بالخطأ فتخرّب الحنا (محّد قالك انت اللي طلبت إنها تحنا)

       ألقى بنفسه على الكنبة ليلتقط أنفاسه، فقد قام بمهام لم يعتد عليها، وما هي إلى ثوانٍ  حتى رن موبايل ست الحسن الأميرة قمر الزمان، طلبت منه أن يضع السماعة على أذنها، اقترح عليها أن لا ترد الآن، قالت له مستحيل إنها أمي وقد تقلق عليّ إذا لم أردّ عليها، متأففا حمل الموبايل وقربه من أذنها، وأخذت تتحدث إلى أمها، ظنّ أن الموضوع لن يطول (ها ها هئه حبيبي حرمة تكلم أمها في التلفون هذا ويهي إذا خلصت) شعر بخدرٍ في يديه الاثنتين فقد كانتا تتعاقبان على حمل الموبايل، رجاها هامسا أن تنهي المكالمة، لكنها أشارت إليه أن انتظرْ قليلا، فهي لا تستطيع إنهاء المكالمة بشكل مفاجئ فقد تزعل أمها عليها، بعد خمسة وأربعين دقيقة أشار إليها بأنه بحاجة ماسة إلى أن يذهب إلى (.....) والأمر لا يحتمل الانتظار، ليتكم تستطيعون مشاهدته.. مسكين .. بوادر دموع ستنزل من عينيه.

       هل انتهينا؟ لا ليس بعد.. إنه وقت تناول العشاء.. أكثر ما كان يغيظه أنها كانت تريد منه أن يطعمها بيده وفي نفس الوقت أن يتبسط معها في الحديث ويسولف (الهانم متفيجة) وهو جائع يريدها أن تنهي طعامها ليتفرغ هو للأكل، الأمر الآخر الذي كان يغيظه طلباتها الغريبة (حبيبي لو سمحت بغيت سلطة فتوش بس في كل خاشوقة سلطة.. حِطْ لي قطعة الخبزة المحمصة مال الفتوش) لا مفر من أن يلبي لها ما تريد لأنه هو الذي جنى على نفسه وطلب منها أن تتحنا، الطامة الكبرى أنه عندما هم بوضع لقمة في فمها عضت إصبعه... من باب المداعبة طبعا (أخواتي احذرن لا تمزحن مع الزوج وهو جائع) عندما عضت إصبعه كانت لديه رغبة عارمة في أن (يرقعها بُكْس) مشابه للبكس الذي تلقاه على يد بتّاني اختلف معه ذات يوم قبل أكثر  من عشرين سنة.

       استأذنها في أن يذهب للصلاة، طلبت منه أن لا يتأخر فهي لا تستطيع أن تبدّل بين القنوات إذ لا تقدر على مسك الريموت بيدها، أخذ يضغط على أسنانه بعصبية وينافخ (طلع الحنا أغلى من بيع السوق) لمعت في باله فكرة جهنمية بما أنه ذاهب للصلاة لم لا يدعو عليها ودعاء المظلوم مستجاب، استعاذ بالله من الفكرة فقد تذكر أنها زوجته (يعني تقريبا وحده من العايلة !!)
        بعد أسبوع من الحادثة التي عُرفت فيما بع بـــ  (الحنا جيت) رجع إلى البيت وطرق باب الصالة برجله، وأخذ ينادي عليها من خلف الباب لتفتح له، استغربت تصرفه لأن لديه نسخة من المفتاح فلماذا لا يفتح لنفسه، هل ضيع المفتاح يا ترى؟! فتحت الباب ويا لهول المصيبة كان يقف أمامها مبتسما ابتسامة عريضة رافعا يديه كمن يكبر تكبيرة الإحرام  وفي يديها ماذا؟ صَحْ حنّا...  ولسان حاله يقول: (شو رايج في المفاجأة؟ حلوة لاه؟) يادي الكسوف يا دي الفضيحة أخبي وشي فين يا اخواتي؟ ريّال ويتحنى؟! وهل تشاهدين في يدي نقشة هندية حتى تلطمي؟ لقد تحنّيت (غمسة) لأسباب صحية لتقوية النظر وللتغلب على الفطريات، المهم الآن خذي الورقة التي في جيبي احفظيها جيدا فيها سبعة وثلاثون مسألة أريدك أن تساعدينني فيها إلى أن أزيل الحنا من يدي!! ثم أطلق زفرة متألما قالت له: ما بك؟ أجابها: حنّا رشناه يحرق.. أظني يحطون فيه بترول!!

الخميس، 1 مارس 2012

لعنة كيس الزبالة


بقلم: عبدالعزيز بن حارب المهيري

لا أحب هذا الصنف من الرجال.. قال لها في السنوات الأولى من زواجنا سنسكن في شقة، فوضْعي لا يسمح بأن أبنيَ أو أستأجر بيتا، قبِلتْ فما باليد حيلة، لمْ تسألوني لماذا لا أحب هذا الصنف من الرجال؟ لا أحبه لأنه لا يستطيع بناء بيت، لكن لديه القدرة في أن يتزوج من أخرى .............................................................. (تركتُ المساحة السابقة فاضية لأفسح المجال أمام أخواتي السيدات ليشتمن الرجل ما شاء لهنّ أن يشتمن) هو لم يتزوج فحسب بل أسكن زوجته الثانية في نفس العمارة، وتحت شقة الزوجة الأولى، دون أن يخبرها بزواجه من أخرى، عرفتم لماذا لا أحب هذا الصنف من الرجال؟ أكرهه أكرهه.. عليه من الله ما يستحق (أبرئ ذمتي من فعله)

(المهم الحبيب وهو نازل من عند الأولى خطف على الثانية، وهو طالع حقّ الأولى مرّ يسلم على الثانية ..ساير راد) المسكينة أم عياله المرأة المؤمنة المصلية الصابرة ..كانت طيبة إلى درجة أنها تصحبه إلى باب الشقة، تودّعه وتبتسم له، وتدعو الله أن يوفقه في يومه، يبتسم لها مجاملا ثم في أقل من دقيقة يبتسم ابتسامة تصل إلى شحمتي أذنيه عندما يقف أمام شقة الثانية.. عليه من الله ما يستحق.

مدةً طويلة وهو على هذه الحال، تقولون ألم تشك زوجته الأولى فيه ولو للحظة؟ أبداً فقد كان مضبطا أموره تمام التمام، ولديه قائمة من الأجوبة المنطقية والشيطانية لكل سؤال، مثلا مثلا إذا شاهدتْ سيارته أسفل العمارة ولم يكن متواجدا في الشقة، اتصلت به مستفسرة عن مكان وجوده، تعلمون ماذا كان يفعل؟ كان يفتح نافذة شقته الأخرى ليوهمها بأنه في مكان مفتوح قائلا حبيبتي ذهبت للصلاة مشيا على الأقدام، تعرفين طبعا المشي إلى المسجد فيه أجر (حرامي واحد جذاب آخر مرة شافوه يصلي كان في رمضان 2007 لا وياي متأخر عن الصلاة بعد!!)

في يوم من الأيام قال لها بأنه مسافر في مهمة خاصة إلى القاهرة ولمدة خمسة أيام، كان بالفعل في مهمة خاصة وكان أقرب مطار للسفر الشقة اللي تحت، وللأسف تعطلت الطيارة، وأقرب موعد لطيارة بديلة بعد خمسة أيام، الأيام التي قضاها في الشقة السفلية عاش فيها كأنه ملك زمانه، وكان يتصل بالأولى يوميا ويتحدث إليها بنبرة صوت مرتفعة كما يفعل البعض عندما يتحدث من خارج الدولة، ومبالغة في التمثيل كان يختم مكالمته بسؤالها إن كانت تريد شيئا من القاهرة.

في ليلة من الليالي طلبت منه زوجته الثانية أن يخرج لرمي كيس الزبالة ولأن الوقت متأخر ليلا، ولا حركة لساكني العمارة، تجرأ أن يخرج بوزار وفانيلة (الوزار أزرق كاروهات لكن ليس ماركة بربري بل مِدْراسي) رمى الكيس أسفل البناية، وركب المصعد عائدا إلى الشقة دق جرس الشقة وتأخرت في فتح الباب، في هذه اللحظة كان لديه إحساس بأن السر الذي أخفاه مدة طويلة سيفتضح هذه الليلة، لقد جرّب مرارا عندما يخاف من شيء فإنه يقع بالفعل، لم يكن واهما فقد سمع مؤخرا أن الإنسان يجذب لنفسه الأحداث السلبية التي يفكر فيها، أخذ يهز رأسة يمنة ويسرة  مثل الأطفال عندما يريدون أن يُصحّحوا خطأ وقعوا فيه، ولكن دون فائدة فلا يستطيع أن يفكر في فكرة غيرها ، انتفض لصوت المصعد الذي بدأ بالتحرك نزولا بالضبط مثل أفلام الرعب، إذ لابد من مصعد تدور حوله الجريمة، وقف المصعد في نفس الدور الذي هو فيه، كانت واجهة المصعد زجاجية غير شفافة بحيث يمكن أن تعرف أن شخصا بداخله دون أن تتبين ملامحه، كان واضحا أن في المصعد سيدة مواطنة ترتدي العباءة، العلامة الثانية غير المبشّرة أن طول وعرض السيدة نفس طول وعرض زوجته (اللهم صلي على محمد شويه متكتكة ومليانة وهذي ضريبة أن تكون شقتك بالقرب من مطعم المرحباني للمندي) المصيبة الأكبر أن السيدة تحمل حقيبة يد صفراء، لكنْ لا تسر الناظرين، مشابهة تماما لحقيبة يد زوجته (قومب... هذا هو يبلع ريقه) طوال عمره كان يسمع عبارة (ترتعد فرائصه) ولا يعرف معناها، اليوم فقط عرف مكان الفرائص، وبينما هو يدق الجرس بعصبية، فُتح باب المصعد بشكل بطيء محدثا صريرا (جاك الموت يا تارك الصلاة.. تستاهل.. حسيبك الله من 2007 ما صلّيت؟) ويا للكارثة!! خرجت السيدة التي كانت داخل المصعد وإذ بها ليست زوجته تخيّلوا!! (عفوا كنتم تنتظرون أن تكون زوجته الأولى؟ صدْق إنكم شرّيرين!!) فتحت زوجته الباب، فقذف بنفسه داخل الشقة وهو يلتقط أنفاسه، سألها معنّفا أين كنتِ؟ ساعة حتى تفتحي الباب؟! وأنتَ تأخرت أين ذهبتَ؟ قلت لك أنا ذاهب لرمي كيس الزبالة.. لا لم تقل لي أنك ذاهب لرمي كيس الزبالة، آخر مرة قلت لي أنك مسافر خمسة أيام إلى القاهرة؟ يا لَهْوووووي.. يا سنا سوحه.. يا دي النيله يا دي النيله (الريال مخّه متبرمج.. بالغلط سار شقة الزوجة الأولى بوزار وفانيلة) كان سؤالها له بمثابة الصعقة الكهربائية، في احدى الروايات يقال بأنه بدا وكأنه هيكل عظمي بجمجمة عندما فاجأته بالسؤال، صحيح أني لا أحب هذا الصنف من الرجال (لكن صراحة غمضني وتعاطفت وياه)

لم يكن أمامه إلا أن يمثّل أنه أُغمي عليه، ليفكر في جواب مقنع عن سبب مجيئه بوزار وفانيلة، عندما سقط على الأرض ظنت أن مكروها أصابه فهرعت إليه توقظه وتطرق خده بيدها، ولأن قلقها عليه كان كبيرا كان تطرق خده بقسوة دون أن تشعر، أفاق من غيبوبته الكاذبة لا لأنه توصل إلى جواب مقنع، بل من (التّصفّيع اللي ياه... من أيام الابتدائي ما تصفع جذه) سرقوني يا زوجتي سرقوني... كيف سرقوك؟ ولأنه لم تكن لديه الفرصة للتفكير في تفاصيل السرقة أغمي عليه مرة أخرى، أخذت تضربُ خده مرة ثانية، أفاق منزعجا من سيل اللطمات التي تلقّاها (يا بنت الناس خفي ايدج شويه، جلعتي الجسر اللي مركبنّه في ضروسي.. هاتي لي بصل عشان أنتبه) ولكنك تتحدث إليّ؟! ها آآآ آآآ أغمي عليه مرة ثانية، أحسّت بأنه يكذب، صمتت لحظة لترى إلى أين سيصل بهذه التمثيلة البايخة، عندما أحس بالهدؤ حوله فتح عينه اليمنى خلسة لتقع على عين زوجته التي كانت تحدق فيه، انكشفت كل الأوراق، نهضت بهدؤ إلى باب الشقة وأحكمت إغلاقه، قالت له اجلس، فجلس مذعنا وكأن ليس به شيء، سألته بلهجة حازمة

-      كم رقم شقتها؟

-      شقتها أيّ شقتها؟ (عافانا الله من الزياغ حتى الرمسة مخبّقة)

-      لن أعيد الكلام .. كم .. رقم .. شقتها؟

-      الصدق منجاة شقة 207  (هاتي لي ماي ريجي ناشف)

-      اجلس إلى أين أنت ذاهب؟

-      إلى المطبخ كي أحضر ...

-      تحضر ماذا؟

-      يعتمد.. ما هو الأسهل بالنسبة لك في الاستخدام.. السكين أم الساطور؟!