الخميس، 23 فبراير 2012

بيور بلاك


بقلم: عبدالعزيز بن حارب المهيري
عندما قال لها ما رأيك؟ كان يظن بأنها ستفرح عندما تشاهده وقد صبغ لحيته، لكنها ظلت لثوان تتأمل وجهه، ثم سألته بملامح جادّة ما الذي تخطط له؟ أبدا أحببت أن أتزين لك. تتزين لي أم تتزين لأخريات؟ أستغفر الله ماذا تقولين؟ لقد صبغتُ لحيتي لأنك أنت التي طلبت مني ذلك.. لقد كنتُ أختبركَ وللأسف رسبتَ في الاختبار.. ما اسم هذا الصبغ؟ بيور بلاك.. بيور بلاك ما شاء الله!! والله وقمت تعرف بيور بلاك!! المهم الآن أخبرني هل تمّ توظيف موظفات جديدات في القسم الذي تعمل فيه؟!

يا بنت الناس استهدي بالله، أنا في آخر عمري أفكر في هذه الأمور؟ ولم لا.. ألستَ رجلا؟ لا لستُ رجلا.. ماذا؟ (الخوف يدفع الرجل أحيانا إلى التنازل عن رجولته طوعا) أقصد أنني تجاوزت الأربعين، يعني راحت عليّ، تجاوزت الأربعين ها؟ بعد الأربعين الرياييل يستخفون، ألم تسمع بالمراهقة المتأخرة؟ أرجوكِ أريد أن أنام، غدا بإذن الله سأصبغ شعري بالأبيض كي ترتاحي، ومن سيسمح لك بالنوم؟ لن تشرق شمس الغد حتى أضع حدّا لهذا التصابي.

جلس أمامها وهي تقرأ عليه لائحة الاتهام أولا منذ فترة وأنت تبالغ بالاعتناء بهيئتك، تبالغ في شراء العطور الثمينة بعد أن كنت تشتري العطور من أرفف الجمعية، ثانيا تترنمُ بينك وبين نفسك بأغاني عبدالحليم وأنت الذي طوال عمرك لم تطرب إلا إلى بالروغة، ثالثا عندما أتسوق معك وتمرّ بجانبنا نسوة كنت دائما تحاول شفط كرشتك (كان يشفط كرشته إلى أن ينقطع نفسه) وأخيرا القاصمة الكبيرة وثالثة الأثافي (للأمانة هي لم تقل ثالثة الأثافي أنا الذي كتبتها، الله وكيلكم حافظنها من سنة أنتظر المقال المناسب لأكتبها) القاصمة أنك صبغتَ شعرك وليتك صبغته بالبني أو ما شابه لكان الأمر هيّنا، لكنك للأسف صبغته بيور بلاك! ألا تستحي؟! رجل في مثل سنك وتصبغ شعرك بيور بلاك؟ ماذا تركت للشباب الصغار؟ تركتُ لهم الـــ دارك براون!!

قال لها وما المشكلة في أعتني بمظهري؟ بل كل المشكلات في أن تعتني بمظهرك، فمؤكد أنك ستلفتُ نظر النساء إليك، الرجل الأنيق فريسة سهلة، افففف وما المطلوب مني الآن؟ كُفَّ عن المبالغة الزائدة في التزيّن، لا داعي لأن ترش ثيابك بالعطر ثلاث بخات في كل مرة، رشة واحدة تكفي ومن بعيد، ويفضل أن يكون العطر من النوع الرخيص الذي يُشترى بالجملة، سنوات وأنت تستخدم عطر بو حبيبين لماذا توقفت عن شرائه؟ ثم ما الذي يمنع من أن ترتدي الكندورة لأربعة أيام متتالية؟ بالعكس كثرة غسل الثياب وكيّها يفسدها، صحيح أنني أحبك أنيقا لكن أحبك أكثر عندما تكون مبهدلا ومحوحواً.

لم يكن شكّها ليتوقف عند هذا الحد، فقد قامت بمهمة أشبه بـــ (mission impossible) عندما اقتحمت عليه الدوام مرتدية النقاب وهي أساسا لا ترتدي النقاب، وأخذت تتجسس من بعيد لتتأكد من أنه يمشي على العجين ما يلخبطوش، ولم يخب ظنها، والشكوك لم تكن أوهاما بل حقيقة مؤلمة، إذ وقعت عليه وهو يقع في الجرم المشهود، فقد سمعته وهو يرد التحية على موظفة قالت له صباح الخير، فردّ عليها بكل جرأة ووقاحة صباح النور قالها وهو يمرّر أصابعه على لحيته المصبوغة بيور بلاك، ألم أقل لكم أن لا أمان من الرجال!!

وظل المسكين مدة طويلة يعاني من نظرات زوجته المرتابة كلما وقف أمام المرآة، كان يعلم ما تفكر فيه، لكنه لا يملك أن يدفع عن نفسه شكوك زوجته، ثم فجأة توقفت الزوجة عن الشك ولم تعد تسأله وتُحقّق معه مثل السابق، بل كانت أحيانا تساعده في العناية بنفسه، شعر بالارتياح بسبب تغيّر سلوك زوجته تجاهه، وقال في نفسه مؤكد أنها اكتشفت أن ظنونها أوهام لا حقيقة لها سألها

-        حبيبتي لم تعودي ترتابين فيَّ؟

-        أنا واثقة منك

-        الحمد لله

-        البركة في دلال

-        دلال من؟

-        الموظفة التي معكم في القسم

-        وما علاقتها بالموضوع؟ ثم من الأساس أنت لا تعرفينها؟

-        تعرفت عليها فأصبحت صديقتي

-        لماذا؟

-        لماذا ماذا؟

-        لماذا تعرفتِ عليها أساسا؟

-        يا سلام !! ومن سيأتيني بأخبارك إن لم تكن دلال؟ هل تصدق دلال هذه امرأة طيبة وحبّوووووبة كل يوم تتصل لتُخبرني عنك

-        مستحيل!! مستحيل ما أسمع.. وأنا الذي كنت أظنك وثقتِ بي

-        ماشي أمان من الريال اللي يصبغ شعره بيور بلاك، ويكون في علمك أنا سكت عنك لأنه لين الحين دلال تقول إنك مصطلب وريـال، خربط بس شوي وشوف شو اللي بيستوي بك.. بيور بلاك ها؟!